ميننكس الاخبارية (جزيرة جربة من منظار ابن بار زارها فانهكه الوجع )
جربة…جربة…جربة…هل نندبك أم نكتفي بالقول وداعا ونحن نبصرك تحتضرين؟…جزيرة الأحلام تحولت إلى جزيرة الكوابيس…جزيرة حدائق التفاح والكروم والشواطئ الجميلة تحولت الى حقول شاسعة لأكوام هائلة من الزبالة وأشجار متيبسة وحيطان رمادية وحمراء حادة الزوايا بلا ذوق …حيثما حللت يمكنك أن تجهش بالبكاء… جزيرة اوليس..جزيرة الأسطورة والخرافة .. جزيرة معجزة تعايش اليهود والمسلمين، الأباضية والسنة، البربر والعرب، الأنس والملائكة والجن صارت جزيرة اللحى والنفور والخوف ..جزيرة الأناس البسطاء المسالمين الطيبين الصبورين الأمناء صارت جزيرة ملتحين غرباء اللبس والقول والفعل.. يسارع جلهم للوضوء وأداء الصلاة في أوقاتها ومع ذلك لا تكاد ترى أيا منهم ينتبه لنظافة محيط محل سكنه أو عمله أو الوفاء بموعد قطعه لزبونه أو الحرص على اتقانه أو استخلاص ثمن معقول لخدمته أو حتى الالتزام بتسعيرة منطقية لسلعته.. الجميع صار يفتي والجميع لا يكاد يتحدث في غير أحكام الدين…
بدأ حكم التعامل مع الشوارب واللحى انتهاء بأحكام جواز لبس السروال وإزالته اثناء أداء الصلاة وطوله وقصره وأحكام تكييف المسجد ودرجته وتوقيته وجواز إضاءته وحجم طاقة ذلك والموقع وكم وقتا يستغرق.. جزيرة جربة تستهلك كل ليلة منذ بدأ شهر رمضان مئات آلاف الدنانير في إطلاق الشماريخ من غروب الشمس إلى شروقها…كل جربة لا تنام الى آذان الفجر …تتحول سماؤها التي كانت تعج بملايين النجوم لتجعلها السماء الأكثر بريقا ربما على وجه البسيطة إلى سماء غدت لسبب ما شديدة الظلمة ولكن تشتعل ببعشرات الشماريخ في كل ساعة ومن كل حي.. شباب يتنافس على حرق ملايين الدنانير في ساعات معدودات…من أين ولماذا وإلى متى…لا أحد يدري… السياح الذين كنت ترى قوافلهم بالعشرات يوميا يلتقطون صور الأحواش الرائعة بمعمارها الغريب … اختفوا..ما عدت ترى غير سيارات أشقائنا الفارين من حقول الموت المشابهة في ليبيا…
فقط يمكنك ان ترى بعض سواح ساقهم قدرهم ليكونوا شهودا على موت جزيرة اوليس ومنهم تلك السائحة الايطالية التي قيدت نفسها البارحة الى عمود لتطلق صرخة فزع مقسمة أنها لن تفك قيدها ولن تبرح موقعها ذاك قبل أن ترى بأم عينها التي تغالب غارات الذباب إنطلاق رفع جبال الزبالة التي لا يفصل بين الواحد والآخر غير 50 متر… جربة …وداعا…الكارثة حصلت… تحتاجين إلى عشرات المليارات لاستصلاح شيء قليل من الأضرار البيئية التي حصلت… وإلى جانب ذلك ستحتاجين الى سنوات للإصلاح ولاسترجاع بعض من السواح الذين لن يعودوا أبدا… وفي الأثناء سنرى عشرات النزل الأخرى تتحول الى ما يشبه الخرائب .. وإلى مئات اللحي تنبت مع الطفيليات وحقول الزبالة وفتاوي تجيز انتحار ما ظل صامدا لآلاف السنين معمارا وطبيعة وإنسانا.. جربة …هل من منقذ؟.. هناك شباب رائع مازال يمثل الأمل الوحيد ولكن الأوان قد يكون فات خصوصا بوجود نخب حقيقية من المفسدين الكبار المتربحين من هذا الموت ولعل منهم – إلى جانب حكومتي الترويكا وجمعة وتجمعيين أبديين والداعشيين التونسيين – الكثير من الأطباء الذين انتصبوا لا حبا في جربة إذ لا يكاد أحدهم يحسن علاج مريض بل لنهب مال سائب قادته جرائم تاريخية وراهنة وحماقات أخرى من ليبيا الشقيقة…
خيرالدين الصوابني
ملاحظة: الصورة: السائحة الايطالية مقيدة الى عمود في جربة..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire